في تناقض واضح في الموقف من الأزمة السورية، تقف الولايات المتحدة الأميركية حائرة، هي تعلن أنها تدعم الحل السلمي من خلال مؤتمر جنيف الثاني، لكنها في المقابل ترسل الأسلحة إلى المقاتلين "المعتدلين" في قوى المعارضة.
استئناف الدعم العسكري، الذي لم يصدر أي تأكيد أو نفي له من قبل الإدارة الأميركية، يطرح حوله علامات الإستفهام في هذه المرحلة، لا سيما أن مسار المفاوضات السياسية في العاصمة السويسرية لم يحرز أي تقدم يذكر حتى الساعة، لا بل أن المتابعين يعتبرون أن الأمور تعود إلى الوراء، وإحتمال تفجير الوضع قائم في أي لحظة، فما الذي تريده واشنطن من ذلك؟
تناقض أم مناورة
لدى كل من قوى المعارضة والحكومة السورية إجماع على أن الولايات المتحدة تبحث من خلال مواقفها عن تحقيق مصالحها بشكل دائم، يتفقان على هذه النقطة بالرغم من الخلافات الكبيرة بينهما، لكنهما لا يستطيعان أن يتجاوزا رغبة واشنطن بوصفها لاعباً دولياً أساسياً على الساحة العالمية.
من خلال التجربة، يؤكد عضو "الإئتلاف الوطني السوري" المعارض خالد الناصر أن الموقف الأميركي من الأزمة السورية لم يكن ثابتاً طوال الفترة السابقة، لكنه يشير إلى أنه يصب بإتجاه تغيير النظام بما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة والتسويات التي تبرمها مع الجانب الروسي.
ولا يرى الناصر، في حديث لـ"النشرة"، تناقضاً في الموقف الأميركي في المرحلة الحالية، من خلال الحديث عن إستئناف عمليات إرسال الأسلحة إلى قوى المعارضة المعتدلة، لا سيما أن هذه الأسلحة هي في الأصل غير فاعلة، لا بل يشدد على أنها رمزية لا تساعد على تغيير المعادلة القائمة على أرض الواقع.
في الجهة المقابلة، لدى الباحث الاستراتجي العميد الركن المتقاعد أمين حطيط رؤية مختلفة، يعتبر من خلالها أن ما يحصل يقع في سياق المناورات الأميركية لا التناقض، ويشير إلى أن لدى واشنطن هدف أساس هو إسقاط النظام السوري، وهي تأمل في تحقيق ذلك عبر الخطين العسكري أو السياسي، أو الإثنين معاً على قاعدة الحل السياسي تحت ضغط النار.
ويوضح العميد حطيط، في حديث لـ"النشرة"، أن الولايات المتحدة في العام 2012 ذهبت إلى مؤتمر جنيف الأول بعد أن وجدت أن النظام إهتز بعض الشيء من أجل الإستثمار السياسي، لكنها بعد أن إصطدمت بالرفض الروسي والتحفظ السوري عادت إلى العمل العسكري في العام 2013، إلا أنها لم تكن تتصور أن النظام سيكون قادراً على الصمود، فاضطرت إلى العودة إلى المسار السياسي عبر جنيف الثاني.
ما الذي تريده واشنطن؟
في هذا الوقت، تطرح أسئلة عدّة حول الذي تريده الولايات المتحدة من استمرار الأزمة السورية، خصوصاً بعد أن أصبحت متداخلة إلى حد بعيد، وهي قادرة على المساعدة في الوصول إلى الحل في حال أرادت ذلك.
وفي هذا السياق، يوضح الناصر أن الموقف الأميركي مع الحل السلمي بحال كان قادراً على إحداث التغيير المطلوب، وهو مع الضغط لكنه يرفض التدخل العسكري بأي شكل من الأشكال.
ويصف الناصر التصريحات الأميركية الأخيرة، لا سيما كلمة وزير الخارجية جون كيري خلال إفتتاح مؤتمر جنيف الثاني، بالإيجابية جداً، ويشير إلى أن مصالح واشنطن في الشرق تتعلق باستمرار تدفق النفط وأمن إسرائيل، بالإضافة إلى محاربة النفوذ الإيراني ومدى تأثير الأزمة السورية في الضغط عليه.
من جانبه، يرى العميد حطيط أن هدف الولايات المتحدة من جنيف الثاني هو السعي إلى تحقيق إستراتجيتها التي تقوم على إسقاط النظام السوري، لكن بعد الموقف السوري القوي في المؤتمر عادت إلى التهديد بالقوة.
ويشير العميد حطيط إلى أن واشنطن تريد من خلال الأزمة السورية تأمين منظومة سياسية تحمي اسرائيل بعد خروجها من الشرق الأوسط، وهي تقوم بشكل أساسي على إعادة تقسيم البلدان العربية، إلا أنه يرى أن هذه الإستراتجية فشلت في تحقيق هدفها، ومن أجل ذلك هي غير جاهزة لأي حل في هذه المرحلة.
في المحصلة، ستبقى واشنطن في المرحلة المقبلة متخبطة في مواقفها تبحث دائماً عن تحقيق مصالحها، سواء كان ذلك عبر الحل السياسي أو عبر الضغط العسكري، ولكنها هل ستتمكن الإستمرار على هذا المنوال كثيراً، لا سيما في ظل التغيير الحاصل على صعيد النظام الدولي؟